رسالة بعنوان هاتف في الخريف! من بريد الجمعة ورد الاستاذ عبد الوهاب مطاوع
رسالة بعنوان هاتف في الخريف! من بريد الجمعة ورد الاستاذ عبد الوهاب مطاوع
تقول الرسالة :
ترددت كثيرا قبل ان اكتب اليك قصتي لأنه من الصعب علي من عايشها ان يعلنها في بريدك علي الملأ, ذلك ان البعض قد يتعجب منها ويتندر.. وقد يصف صاحبها بما ليس فيه.
والقصة في اختصار هي انني رجل مسن قاربت الثمانين ومتزوج من سيدة فاضلة تقاربني في السن وهي ربة بيت ممتازة, ولي منها أبناء كلهم في وظائف مرموقة ولنا أحفاد بلغ بعضهم مرحلة الدراسة الجامعية.. وعندما وصلت انا وزوجتي الي مشارف السبعين تباعد كل منا عن الآخر حسيا..
وجاء هذا التباعد تلقائيا ودون اسباب واصبح كل منا ينام في غرفة منفصلة ولا يفكر في المسألة الحسية مع وجود الألفة بيننا طوال الوقت واستمر الوضع بيننا علي هذا النحو حوالي عشرة أعوام..
وفي الصيف الماضي سافرت إلي المصيف وحدي نظرا لظروف طارئة أعاقت زوجتي لأول مرة عن مصاحبتي, وأقمت في شقة المصيف وحدي, وبعد أيام تعرفت في المصعد علي فتاة حاصلة علي شهادة جامعية ولا تعمل وعمرها ثلاثون عاما وتقيم مع والديها في نفس العمارة..
وقد عرفت هي انني لا أجد من يخدمني فتطوعت لقضاء حاجياتي في الصباح كإحضار الجريدة الصباحية لي وشراء الخبز والجبن وما إلي ذلك, وبدأت تمر علي في الصباح كل يوم تقريبا لإحضار ما يلزمني وفي بعض المرات دعوتها لتناول الشاي معي فلم تمانع ولاحظت انها تكون سعيدة للغاية حين اطلب منها شراء شئ لي وانها تسعد اكثر بالتسامر معي لبعض الوقت كلما قضت لي طلبا.
وتكررت المقابلات بيننا فإذا بي اشعر تجاهها بميل جنسي غريب لم أكشف لها عنه بطبيعة الحال, كما لاحظت ايضا انها قد اصبحت مولعة بي بدرجة واضحة الي ان فوجئت بها في احدي المقابلات تصارحني بمنتهي الشجاعة بأنها قد أحبتني وتريد ان تتزوجني علي سنة الله ورسوله!
ودهشت لما سمعته منها ولفت نظرها الي انني في سن جدها تقريبا ومتزوج فأجابتني بأن فارق السن لم يكن في يوم من الأيام عقبة في طريق السعادة مادام الحب متبادلا, كما ان زواجي لا يحول دون الزواج بها لأن الرجل من حقه ان يتزوج اكثر من زوجة
واما موقف اهلها من مثل هذا الزواج الذي لن يرحبوا به بطبيعة الحال فلقد اكدت لي انها وحيدة والديها الميسورين وانهما لن يردا لها طلبا, وأنهت المناقشة بأن طلبت مني الذهاب الي والدها الآن علي الفور لطلب يدها منه!
والحق ان حديثها معي كان يتصف بالشجاعة والاتزان والتعقل وانني قد شعرت تجاهها بعد هذه المناقشة بحب جارف وميل جنسي كبير وبدأت أفكر هل استجيب لرغبتها علي الفور ام اعطي لنفسي فرصة أكبر للتروي في أمر هذا الزواج الذي لم يخطر لي ببال من قبل؟
وقررت ان اعطي نفسي مهلة قصيرة للتفكير لكنها راحت تلح علي بالاستجابة لرغبتها.. وأمام إلحاحها رأيت ان اقطع التصييف وأرجع للقاهرة زاعما لها أن زوجتي مريضة للغاية وفي حاجة الي.. ورجعت للقاهرة بالفعل لكن الفتاة لاحقتني بالخطابات والاتصالات التليفونية تبثني شوقها وهيامها وتطلب مني سرعة العودة لمقابلة والدها لأنها مصممة علي الزواج مني.
وأملا في الخروج من هذا المأزق فقد عرضت الموضوع علي أحد أبنائي وهو يشغل منصبا قضائيا كبيرا.. ولم أشعر بالخجل منه وأنا أقول له بصريح العبارة إنني أحبها.. وأنها الوحيدة التي تبعث في جسدي الحرارة الحسية حين أراها, فضحك ابني وقال لي إن هذا الزواج إذا تم فسوف تكون له أضرار بليغة بالأسرة كلها فأنا متزوج وزوجتي علي قيد الحياة وتقوم بخدمتي وعلاقتي بها طيبة فما ذنبها لكي تصدم بمثل هذا الزواج؟ ثم انني ـ كما قال ابني ـ لست صغير السن واذا كانت صحتي الآن علي ما يرام فكيف سيكون الحال بعد عام او عامين من هذا الزواج وكيف سيكون الحال اذا حملت زوجتي الجديدة وانجبت طفلا أو طفلين.. ثم غادرت أنا الحياة تاركا ورائي هؤلاء الأطفال الصغار! ومن الذي سيرعاهم.. فضلا عن مشاكل الميراث وخلافه!.
وأختتم ابني حديثه متسائلا عما اذا كنت قد فكرت في كل هذه الأمور جيدا أم لا, فضقت بما قال واتهمته بأنه قد جعل منها قضية يقلبها علي جميع الوجوه كما يفعل فوق منصة القضاء وسألته عن رأيه الصريح في زواجي وهل يوافق عليه أم لا يوافق, فأجابني انني وحدي الذي أملك ان اقرر هذا الأمر وأنه لا يستطيع ان ينصح بشئ محدد بشأنه.
فتركني ابني بذلك دون أن يعطيني كلمة حاسمة في هذا الموضوع لهذا فإني أعرض عليك الأمر وأسألك هل أتزوجها أم أتغاضي عن المسألة نهائيا؟.
رد الأستاذ عبد الوهاب مطاوع
««ولكاتب هذه الرسالة أقول»»
ابنك يا سيدي قد قال لك كل ما يقال في هذه الظروف.. وكان حديثه اليك واضحا واكثر تحديدا من اية كلمة حاسمة او مباشرة اخري في الموضوع.. فالرجل لم يشأ تأدبا معك وفهما من جانبه لدوافعك.. أن يواجهك بالرفض القاطع لما تفكر فيه..
وبادر بالتعامل مع المسألة وكأنها مشكلة قد يعرضها عليه صديق مقرب اليه ويقلبها معه علي كافة وجوهها ليصل في النهاية الي استحالة تنفيذ الرغبة التي يراها هذا الصديق حلا ملائما لها..
وهو في ذلك قد صدع بأمر ربه الذي يأمره بإحسان صحبة أبيه والتأدب معه وعدم الخروج صراحة عليه ولو رأي منه ما ينكره كما أنه قد أشعرك بمناقشة الموضوع, وانه لا يستنكر من ناحية المبدأ أن تشعر بمثل ما تشعر به في هذه المرحلة من العمر..
لكنه يشفق عليك فقط من تبعاته الجسام التي لا تستطيع تحملها ولا تستطيع اسرتك معك ان تتقبلها. فكأنما قد أراد بذلك أن يلفت نظرك برفق الي ما قد يتجاهله المرء أحيانا اذا اشتد عليه نداء العاطفة او نداء الغريزة بمعني اصح لأن الأمر كله في تقديري يدور من جانبك في نطاقها بغير إغفال لأهمية الاعتبارات العاطفية..
وبغير تجاهل أيضا للأثر المنشط البهيج الذي تبعثه في المرء رغبة انثي فيه وهو في خريف العمر, أو حتي في شتائه ولهذا فلقد دار حديث ابنك معك حول محور اساسي هو تبعات مثل هذه الرغبة العارضة لشيخ قارب الثمانين مثلك ويقف فوق قمة عمر مديد حافل بالتوفيق العائلي والمهني والاحترام الاجتماعي, في الزواج من فتاة تصغره بنصف قرن من الزمان ولا يعلم احد سوي الله حقيقة دوافعها لمثل هذا الزواج.
وكان مغزي الحديث كله هو ان يذكرك بما يشير اليه بيت الشعر الأمريكي الذي يقول في اختصار حكيم ان: متعة الحب لحظة, شجن الحب يدوم للأبد!
فهذه الرغبة العارضة في الزواج من فتاة في الثلاثين من عمرها في مثل ظروفك قد تعدك بالفعل ببعض هذه المتعة وبتجديد الحياة.. وببعض الإشباع العاطفي والحسي, ولكن السؤال الأهم هو: إلام سوف يدوم كل ذلك؟ وما هو الثمن الغالي الذي سوف تتكبده عائليا وانسانيا واجتماعيا وصحيا وماديا في مقابله!
اما شجن الحب الذي سيدوم بعد انطفاء شمعة المتعة قصيرة الأجل فليس أهونه ما سوف تخلفه من المرارة والإيلام لنفس شريكة عمرك التي أدت رسالتها معك ومع أبنائها كاملة, وركنت الي الراحة وتطلعت الي جني ثمار الرحلة الطويلة من التكريم والإعزاز من جانب شريك حياتها وابنائها
كما أنه ليس أهونه ايضا ما سوف تشهده حياتك من اضطرابات عنيفة علي جبهة الأبناء والأحفاد وقد يكون من بينهم من لن يلزم نفسه بما التزم به نحوك ابنك القاضي فلا يتجمل ولا يتحسس ولا يخف استنكاره لما تفكر فيه ولا اتهامه للفتاة بالرغبة في استغلالك والاستفادة منك ماديا حتي ولو اقتصرت الغنيمة علي الفور بشقة المصيف دون بقية افراد الأسرة..
ولن يغنيك في مثل هذه الحالة تعمد الإشارة في رسالتك الي ان والديها ميسوران وانها وحيدتهما لأن مفهوم اليسر هنا مفهوم نسبي والنفس كالبحر راغبة ابدا في ازدياد!
أما ما هو اخطر من كل ذلك فهو ثمرة مثل هذا الزواج قصير الأمد مهما طال بحكم الطبيعة التي لا حيلة لنا فيها من الأطفال, فأمثال هؤلاء الأطفال الذين يثمرهم كل زواج مماثل انما يرشحهم ذووهم لليتم من قبل الميلاد..
فكأنما قد حددوا لهم اقدارهم في الحياة من قبل ان يتخلقوا في بطون الأمهات, أو كأنما يؤكدون بهم حكمة ما قالته العرب قديما في أمثالهم من أن أبناء المشيب أيتام بالضرورة.
وفي كل الأحوال فان ما تستشعره من حرارة جسدية طارئة بسبب ظهور هذه الفتاة في حياتك امر مفهوم في مثل ظروفك والرجل معرض له في كل مرحلة من مراحل العمر من الشباب الي الشيخوخة لأن الرجل لا يفقد رغبته في النساء مهما طال به العمر حتي ولو قصرت به القدرة عن التمني وقد يظل يستشعر رجولته ونداء غريزته حتي الرمق الأخير من عمره..
غير أن من الرجال من يدركون جيدا أنها انبعاثات وقتية يصبرون يعبرون عليها الي ان تخمد العاصفة بعد حين وقد يستعينون عليها بالاحتماء بشريكات الحياة اذا وجدن فإن لم يوجدن فبالصلاة والإعلاء والمشي ومن الرجال كذلك من يخطئون تقديرها ويحسبونها استعادة سحرية لعافية الشباب وقدرته ويستجيبون لهاتفها المفاجئ في الخريف ويورطون انفسهم في متاعب جسيمة كانوا في غني عنها
ولو انهم كبحوا جماح انفسهم واستعادوا السيطرة علي أهوائهم بقليل من مغالبة النفس ومجاهدتها, ولهذا فقد نفاجأ في بعض الأحيان بتصرف طائش من بعض الرجال الذين عاشوا جل حياتهم في إطار الاحترام والالتزام الخلقي والديني فيصدم هذا التصرف بشدة افكار الجميع الثابتة عن جلالهم وفضلهم.. ولا يلبثون ان يندموا عليه اشد الندم بعد حين!
ولأن الأمر كذلك فإن نصيحتي المخلصة لك يا سيدي هي ان تصرف النظر عن هذا الموضوع برمته, وان تتفادي كل اتصال بينك وبين هذه الفتاة التي حتي وإن برأتها من شبهة الاستغلال والمادية ومن اي تهمة اخري فقد لا تستطيع ان تبرئها من تهمة الطيش والخفه وعدم النضج العاطفي والنفسي كما انصحك في النهاية ان تقترب من زوجتك وتحتمي بها..
فلا تسافر بعد ذلك الي شقة المصيف إلا وهي في صحبتك.. وكفي الله المؤمنين شر القلاقل. والعواصف والاضطرابات وهم في سن الراحة والهدوء والاحترام!

ليست هناك تعليقات